نقلاً من أثير– المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
مع العودة إلى المدارس وبداية عام دراسي جديد، وفي ظل استمرار تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) وتعطيل المدارس منذ مارسالماضي كإجراء وقائي، فقد تباينت الآراء واختلف الكثيرون في أحقية المدارس الخاصة بتسلّم كافة مستحقاتها المالية من أولياء الطلاب؛وذلك بعد عجزها عن الالتزام بواجباتها التعليمية في ظل أزمة كورونا، ومن رحم هذا الخلاف واجه أولياء الأمور الممتنعون عن سدادالرسوم الدراسية الخاصة بدراسة أبنائهم لدى المدارس الخاصة – بسبب عدم استكمال الفصل الثاني للظروف الاستثنائية – صعوبة فيتسجيل أبنائهم للمرحلة الدراسية التالية لهم، وذلك بامتناع المدرسة الخاصة عن تسجيل الطلبة الذين لم تستوفِ منهم الرسوم الدراسية،وفي حالات أخرى امتناعها عن الموافقة على نقل الطالب إلى مدرسة أخرى وذلك إلى حين سداد الرسوم الدراسية عن المستحقة سابقًا،والتي يرى بعض أولياء الأمور أنها غير مستحقة للمدرسة كونها لم تقم بتقديم الخدمات التعليمية لأبنائهم الطلبة، في حين ترى المدرسةالخاصة أنها مستحقة لهذه المبالغ كونها مستحقات عقدية وعدم الوفاء بالالتزام بتقديم الخدمات التعليمية لا يد لها فيه، وهنا يثورالتساؤل حول مدى قانونية امتناع المدرسة الخاصة عن تسجيل الطالب للفصل الدراسي الأول الذي لم تستوف منه الرسوم الدراسية أوعن الموافقة على طلب نقل قيده منها؟
في هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” سنتطرق إلى المعالجة القانونية لهذه الحالة ففيها تتنازع الحالة لأمرين هما حق الطالب فيالحصول على التعليم، وكذلك حق المدرسة الخاصة في حصولها على مستحقاتها، وذلك وفق أحكام القانون المنظمة لهذا الأمر؛ فبادئالأمر فإن المشرع العماني أقر صراحة حق التعليم للطفل، وكفل أوجه حمايته، فجعل تعليم الطفل إلزاميًا حتى تمام مرحلة التعليمالأساسي، وأوقع مسؤولية تسجيل الطفل لدى المدارس على ولي الأمر، كما أوقع عليه مسؤولية متابعة انتظامه بالمدرسة، فقد بين الفصلالخامس من قانون حقوق الطفل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014) الحقوق التعليمية التي يحظى بها الطفل، فنصت المادة (36) منه على أن: “للطفل الحق فـي التعليم المجاني فـي المدارس الحكومية، حتى إتمام مرحلة التعليم ما بعد الأساسي. ويكون تعليم الطفلإلزاميا حتى إتمام مرحلة التعليم الأساسي، ويقع على ولي الأمر مسؤولية تسجيل الطفل، وانتظامه فـي المدرسة، والحيلولة دون تسربهمنها.” وقد أوقع المشرع عقوبة بنص المادة (70) على ولي الأمر في حال إخلاله بالمسؤولية المشار إليها بنص المادة أعلاه، ونخلص منذلك أن حق التعليم للطفل حق مكفول لا يمكن المساس به، بأي وجه كان في الحدود التي رسمها القانون.
ومن منطلق ذلك؛ فإن قيام المدرسة الخاصة بالامتناع عن تسجيل الطالب للمرحلة التالية أو عدم الموافقة على طلب نقله بسبب عدمتحصيل الرسوم الدراسية أمر للوهلة الأولى يبدو أنه مخالف لأحكام قانون الطفل، بيد أن تدقيق النظر في هذه المرحلة يسترعي البيانأن قانون الطفل كفل حق الطفل في الحصول على التعليم المجاني المقدم من قبل المدارس الحكومية، ولم يخاطب صراحة التعليم المقدم منالمدارس الخاصة، إلا في حالة ما انطوت ممارسة ما لدى المدرسة الخاصة تؤدي للحيلولة دون حصول الطفل على حقه الأساسي فيالتعليم، لكن الأمر لم يترك على عواهنه من قبل المشرع للمدارس الخاصة لتنظم عملية تقديم خدمات التعليم للطلاب وفق أنظمتهاالداخلية، فقد نشطت وزارة التربية التعليم بحكم اختصاصها الأصيل في تنظيم حصول كافة أفراد المجتمع على حقهم في التعليم، ومنمنطلق إشرافها على تنظيم عملية تقديم خدمات التعليم من المدارس الخاصة، إذ إن الأصل أن التعليم تقدمه الدولة مجانًا لكن لا يمنع أنيتم ذلك عن طريق مدارس خاصة لمن يرغب من الأفراد بإلحاق أبنائه بها وفق منظوره وتطلعاته، بيد أن الدولة يبقى واجبًا عليها أن تقومبالإشراف والرقابة والتوجيه والتنظيم لعملية تقدم الخدمات التعليمية من المدارس الخاصة، وعلى هذا النهج صدر القرار الوزاري رقم(287/2017) بإصدار اللائحة التنظيمية للمدارس الخاصة – المعدلة للائحة السابقة رقم (26/2006) –
وكي لا يخرج الحديث عن إطاره فيما يتعلق بحق المدارس الخاصة في الامتناع عن نقل الطلب إلى المرحلة التعليمية التالية أو نقل قيدهمنها لاستيفاء الرسوم التي امتنع وليّ أمر الطالب عن سدادها؛ فإنه من المقرر أن استيفاء الحق بالذات يعد مخالفا للقانون وينطوي علىإيجاد بُعد من عدم الانتظام وفتح باب التعسف، بيد أن مسألة حق المدارس الخاصة في تحصيل رسوم الدراسة لا يمكن التغافل عنها وهوما لم تغفله بحق وزارة التربية والتعليم عن تنظيمها لآلية عمل المدارس الخاصة، فقد نصت المادة (116) من اللائحة على أنه: “مــعمراعــاة أحكام المادة (92) مــن هــذ اللائحــة، لا يجوز فصل الطالب أو حرمانه من دخول أي امتحان بما فـي ذلك امتحان آخر العـامالدراسـي بسبــب التأخيــر أو عــدم دفع الرسوم الدراسية أو أي رسوم أخرى أو أي قسط منها، ومع ذلك يجوز للمرخص له حجب النتيجةعن الطالب لحين إجراء التسوية الخاصة بالمبالغ المستحقة. ويجوز للمرخص له الامتناع عن تسجيل الطالب في العام الدراسي الجديدإذا لم تتم التسوية المشار إليها في الفقرة السابقة، وتتولى الوزارة في هذه الحالة نقل الطالب إلى إحدى المدارس الحكومية.”
ولعل بعض المدارس الخاصة تأخذ من نص المادة أعلاه سندًا لإجبار ولي الأمر قسرًا على سداد الرسوم الدراسية المستحقة وذلك بحرمانابنه من الانتقال إلى المرحلة التالية أو نقله من هذه المدرسة، دون أي محاولة منها إلى الوصول إلى تسوية، فحقيقة الأمر نجد إجازةالمشرع للمدرسة الخاصة كسبيل لتحصيل رسومها مقيد بأحقية المدرسة في حجب نتيجة الطالب للفصل الدراسي والثانية كمرحلةخاصة إذا لم تتم التسوية، فيجب قبل الانتقال إليها أن تعمد المدرسة إلى التسوية مع وليّ أمر الطالب، فليس لها أن تمتنع عن التسجيللمجرد عدم السداد دون أي محاولة منها للوصول إلى تسوية، وإنما يعد ذلك تعسفًا ومن قبيل الممارسات الخاطئة في استيفاء الحق، ومنهذا النص يتجلى أيضا أن المشرع منع على المدرسة الخاصة أي ممارسة من شأنها الإضرار بالتحصيل العلمي للطالب، فمنع المدارسصراحة من حرمان الطالب من دخول المدرسة بفصله منها أو حرمانه من دخول أي امتحان بما فيها امتحان آخر العام، وقد حدد المشرعطريقتين فقط لا غيرهما كاستثناء من أصل بإمكان المدرسة الخاصة أن تقوم بهما لاستيفاء حقها في الرسم من وليّ أمر الطالب، ولميجعل لها الخيار، وذلك يتجلى من القيد الذي أقامه المشرع عندما جعل لها الحق في حرمان الطالب من الانتقال إلى المرحلة التعليميةالتالية، وقيده بأن بإمكانها حرمانه من الانتقال إليها مرهون برغبة الطالب في الاستمرار في ذات المدرسة، ومتى ما قررت المدرسة حرمانهمنها، فيقع لزامًا نقله إلى إحدى المدارس الحكومية، وهو ما يتضح منه أن الممارسة المشرعة لها هي مجرد استثناءات وبالتالي لا يجوزالتوسع في تفسيرها أو القياس عليها، كون حق الطفل في التعليم هو الأصل دائمًا، وهذه التصرفات قررت تقديرًا للحالة التعاقديةالقائمة بين وليّ أمر الطالب والمدرسة الخاصة، والتي لا يمكن أن يضار منها الطفل بتاتًا، كون ذلك يؤدي إلى المساس بحقه في الحصولعلى التعليم المجاني المكفول وفق قانون الطفل، كما أن الامتناع عن تسجيل الطالب للعام الدراسي الجديد أو عدم الموافقة على نقله منالمدرسة الخاصة، يعد من قبيل انتهاك الحقوق التعليمية للطفل، والتي نص عليها قانون الطفل صراحة وكفل أوجه حمايتها، فسبب عدمتحصيل الرسوم الدراسية نجد أنه أمر غير مبرر للامتناع عن تسجيله أو الموافقة على نقل قيده من المدرسة الخاصة، وهذا لا يعني البتةحرمان المدرسة الخاصة من الحصول على حقها في الرسوم عن الخدمات التعليمية التي قدمتها للطفل وتعاقدت عليها مع وليّ أمره؛فللمدرسة الخاصة حقها في مطالبة أولياء الأمور بالرسوم المستحقة وفق الطرق التي رسمها القانون، كما لها الحق الكامل في اللجوءإلى القضاء لتحصيل حقها المبني على العلاقة التعاقدية بينها وبين وليّ أمر الطالب، فالامتناع في حقيقه الأمر يضر بالطالب، وينتهكحقه في التعليم، وللمدرسة الخاصة الحصول على حقها دون الحاجة إلى المساس بحق الطفل.
وفي ظل هذه الظروف الخاصة والمتعلقة بانتشار جائحة فيروس كرونا (كوفيد 19) نرى أن على وزارة التربية والتعليم التدخل بإصدارقرار أو تعميم لحفظ حق الطالب في التعليم وعدم عرقلة تسجيله لدى المدارس والموافقة على نقله، وتبصير المدارس الخاصة حولتحصيل حقها من الرسوم بالطريقة التي تتناسب مع حفظ حقوق الطالب التعليمية، فضلًا عن إزالة الاختلاف القائم بين أولياء الأموروبين المدارس الخاصة في الرسوم الدراسية ومدى أحقية المدرسة الخاصة بالمطالبة بها، كما أنها مسألة جديدة فرضتها الظروفالاستثنائية للتصدي لجائحة فيروس كرونا شأنها شأن العلاقة الإيجارية التي أرهقت بعض المستأجرين بعد قرار إغلاق بعض الأنشطةالتجارية؛ وعليه فإنه في ظل عدم صدور قرار من شأنه الفصل في مثل هذه الإشكالات من قبل اللجنة العليا، فمعنى ذلك أن اللجنة قررتأن يترك تقدير الأمر في النزاعات القائمة لمن يحتج بأنه تضرر من هذه الإجراءات المتخذة للقضاء العماني فهو الذي يقدر ظروف كل حالةعلى حدة ويفصل في الحق المتنازع عليه بشأنها كمثل حالة مدى أحقية المدارس الخاصة في تحصيل الرسوم الدراسية وكذلك مدىأحقية أوليا الأمور في الامتناع عن سداد هذه الرسوم الدراسية عن فترة الإغلاق التي فرضتها الظروف