تلفزيون سلطنة عُمان .. مشوار وانجار
يونس جميل النعماني
قبل فترة ليست بالطويلة أرسلت لي إحدى الزميلات استطلاعًا عن الإعلام؛ لأجيب على أسئلتها، لذلك أحبُّ أن أبدأ بها قبل الولوج إلى الكتاب وبشكل مختصر قدر الإمكان، سألتني الصحفيّة:
- هل الإعلام يمثل واقع حياتنا أم أصبحنا نحن نمثل ما يبثه الإعلام؟
- هل فعلا هيمن الإعلام على تصرفاتنا وسلوكنا وأفكارنا؟ كيف؟ وهل هي هيمنة إيجابية أم سلبية؟
- ما هي أكثر عناصر الإعلام المسببة لهذا التغيير الحاصل حتى في أبسط أمور حياتنا؟
- هل تعتقد أن محتوى الإعلام نفسه قد تغير منذ السنوات الماضية وحتى الآن؟
- كيف نتحكم فيما نشاهده ونتابعه عبر وسائل الاعلام؟
بالطبع لن أجيب عن هذه الأسئلة، لأن المقام لا يتسع لذلك، لكنني أقول:
إن المتابع للإعلام الرسمي في البلدان العربية يدرك أنه لا يزال وسيلة تُعّبر عن الأنظمة القائمة بصفة أساسية وتعتمد على الاتصال ذي الاتجاه الواحد دون إشراك المواطن في صنع الرسالة الإعلامية أو السعي إلى تلبية حاجة الفرد في الحصول على المعلومات، ويعد الإعلام العُماني إعلاما تنمويًا ويخدم مصالح النظام السياسي في الدولة،وحاليا هناك خطوات -وإن كانت بطيئة- تعمل على تطوير الهوية الإعلامية، وتسعى إلى إشراك الفرد في صنع الرسالة الإعلامية.
لا شك أن للإعلام دوراً واضحاً في تشكيل الرأي العام، وطرح القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المثارة على الساحة ويؤدي الإعلام وظائف أخرى تحقق التنمية والارتقاء بالوعي المعرفي والإدراكي على مستوى الفرد والمجتمع على حد سواء في كافة المجالات بما يؤدي إلى فرز مجتمع قادر على ممارسة التفكير والتحليل المنطقي وربط الأحداث والمشاهدات المعروضة عبر وسائل الإعلام وما يحدث حوله في مجتمعة بصورة ذهنية تصنعها وسائل الإعلام.
وجاءت نظرية والترلبيمان، والذي يعد أحد ركائز علم الاتصال والإعلام -كما هو معروف- مؤكدة على أن وسائل الإعلام تفشل دائما في توجيه الجمهور، وبجانب هذا الفشل فهي تنجح دائما في إبلاغ الجمهور بما يجب أن يفكر به، فمبدأ التحليل والتفكير لما يعرض في وسائل الإعلام المختلفة أمر ضروري لمعرفة توجه الوسيلة الإعلامية، هل يصب في مصلحة القضايا الوطنية والأساسية التي تضم الشريحة الأكبر من المواطنين داخل مجتمع مثقف وواع ويعتمد على مصادر متنوعة للحصول على معلومات وافية وشاملة حول القضايا والأخبار المطروحة في وسائل الإعلام؟؟
باعتقادي لا يمكن لوسائل الإعلام أن توجه الفرد إلى كيف يفكر بالمطلق بيد أنها قادرة على توجيه فكره وحشد المجتمع ككل نحو قضية بعينها أو قدرتها أيضًا في التأثير على الأفراد لصالح اتجاه أو أيدولوجية سياسية معينة، وهذا الأمر لا يلغي مبدأ التفكير والتحليل وطرح القضايا الهامة للنقاش الجماهيري والنخبوي باختلاف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية.
تنقسم عناصر الإعلام إلى ستة عناصر المرسل والمستقبل والرسالة والوسيلة ورجع الصدى وأخيرا التأثير، بالنظر إلى هذه العناصر وقياسها على وقتنا الحالي نجد أن الوسيلة المستخدمة في بث الرسالة الإعلامية هي الأكثر تأثيرا ظهور قنوات اتصالية والانترنت الذي مهد لظهور وسائل التواصل الاجتماعي، والدور الأساسي لهذه الوسائل لإشعال فتيل الثورات العربية، وتغيير أنظمة حكم دامت عقود من الزمن. هذه الوسائل استحدثت قيما جديدة في المجتمع وأصبح منشغلا بها، وغير قادر على التفريق بين المعلومات الحقيقية والكاذبة بالإضافة إلى التوظيف الخاطئ للفانتازيا في عرض المعلومات.
أما بالنسبة للتغيير فهو يعد ظاهرة صحية جدًا في كافة مناحي الحياة، والمحتوى الإعلامي شهد تغيرًا كبيرًا، فمنذ اخترع الإنسان وسائل الإعلام، وهي في تغير مستمر، وهذا التغير في وسائل الإعلام يصاحبه التغير في المحتوى الإعلامي فالصحف المصرية أو العُمانية التي ظهرت في البدايات لا تبدو كصحافة اليوم، فقد كانت تعتمد اعتمادًا كبيرًا على مواد الرأي وكتابة المقالات واليوم أصبح الخبر الصحفي المسيطر على الصحف وتنوعت الفنون الصحفية وهذا الأمر ينعكس على الوسائل المرئية والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي أحد الأسباب المباشرة في تغير المحتوى الإعلامي وتقديمه في قالب يناسبها فضلاً عن الظروف السياسية والاجتماعية التي تؤثر على المحتوى الإعلامي.
ونحن كأفراد لا يمكننا التحكم الفعلي بالرسائل التي تعرضها وسائل الإعلام فوسائل الإعلام أصبحت في كل تفاصيل حياتنا الدقيقة ولكن يمكن ربط الإعلام بالمجالات الأخرى لتخفيف وطء تحكمها بحياتنا والاستفادة منها قدر المستطاع مثلا ربط الإعلام بالتربية خطوة جيدة في اكساب النشء مهارات وأساليب جيدة في كيفية التحكم بالوسائل الإعلامية المختلفة.
إن التربية الإعلامية قادرة على جعل النشء ناضجًا ومستوعبًا لحقوقه المتعلقة بالوصول إلى المعلومة، وحقه في حرية التعبير، والمشاركة الفاعلة في وسائل الإعلامية، وتوفر الحماية من المضامين الإعلامية غير المرغوب بها؛ لأن التربية تشمل كل وسائط الاتصال مثل الصحافة المكتوبة، الإذاعة المسموعة، الإعلام المرئي، الإنترنت، الألعاب الإلكترونية، كل هذه تشملها المادة الإعلامية وهي المادة الاستهلاكية في المقام..
إذا ما أتينا إلى كتاب تلفزيون سلطنة عُمان .. (مشوار وإنجاز) للإعلامي القدير يعقوب يوسف الزدجالي، فهو يعدُ كتاباً توثيقياُ أشبه بمجلة توثيقية سجل فيه الكاتب أبرز المحطات التي مر بها تلفزيون سلطنة عُمان، ومن يقرأ الكتاب يجد بين دفتيه تواريخ وأحداثا مهمة في مسيرة التلفزيون العُماني بدءًا من تدشينه في عام 1974 بافتتاح أول محطة تلفزيونية، رغم وجود إذاعة مسموعة زمن السلطان سعيد بن تيمور تسمى (إذاعة الحصن) في صلالة، ووجود إذاعة متنقلة في سيارة لاندروفر بمسقط في الخمسينيات، تتحدث عن حرب الجبل الأخضر، من خلال سماعات تبث تحذيرات عن حرب الجبل الأخضر، وكان يعمل بها السيد ثويني بن شهاب وحفيظ الغساني، ورغم وجود وزارة الإعلام التي أنشئت في ديسمبر 1970م، وكانت بمسمى وزارة (الإعـــــــلام والـــشؤون الاجتمـــاعية والــــعمل) وقـد تـولى هذه الوزارة المرحوم الأديب والـشاعر عبدالله بن محمد الطائي. إلا أنه يعتبر حدثٌ إعلاميٌ وثقافيُ بازر في عُمان، وهكذا بدأ البث التلفزيوني بافتتاح المحطة عام 1974 بإمكانيات صغيرة وبداية بسيطة، وانتهاءً بظهور الاستديوهات الجديدة، وتحول الوزارة إلى هيئة مستقلة مختصة، كما يحتوي الكتاب على صور توضح التطور في عمل التلفزيون، بالإضافة إلى رسوم كاريكاتيرية. وقد صدر الكتاب بمناسبة مرور أربعين عاما على انطلاق القناة التلفزيونية لسلطنة عُمان.
يتوزع الكتاب على خمسة فصول، بالإضافة إلى كلمة لصاحب السمو فهد بن محمود آل سعيد (1973 – 1979)، وكلمة معالي حمد بن حمود الراشدي وزير الإعلام السابق (2001 – 2012) ومقدمة للمؤلف.
الفصل الأول حمل عنوان التلفزيون سنوات من التطور.
الفصل الثاني: التحول إلى قطاعات.
الفصل الثالث: أسماء في الذاكرة .
الفصل الرابع: فرسان الكلام.
الفصل الخامس: لطائف وطرائف.
والملفت في الكتاب –ما شدني فيه شخصياً– الفصل الخامس المتعلق باللطائف والطرائف، وذّيل ببعض المواقف الحرجة والطريفة التي صادفت المذيعين، وأراها خففت من وطأة الرسمية في الكتاب، جعلت الكتاب يخرج إلى مخرج آخر، ولو كنت مكان المؤلف لكتبت كتاباً ينطلق من هذه المواقف غير المعاشه، من كواليس الإذاعة والتلفزيون، وهذه الكواليس غنية بالمواقف الإنسانية والفكرية التي يتبناها رجالات الإعلام.
وفي نهاية مداخلتي، أطرح بعض الأسئلة من قبيل:
- كيف يمكننا وصف حتمية العلاقة بين الإعلام والسلطة؟ وتحديد العلاقة بين الإعلام والمشهد السياسي؟
- “أن الإنسان مدار أي مشروع أو فكرة” هناك تأثيرات كبيرة تنجم عن علاقة الإعلام بالإنسان من خلال التأثير على الصحة والسلوك والتعامل والعقل والذهن والدماغ، وعلاقة الاعلام بالتنمية البشرية كيف انتبه لها؟ وما الاستراتيجيات المتبعة في تنظيم هذه العلاقة؟
- دائما ما تطرح أحاديث كثيرة في محافل علمية وإعلامية حول العلاقة بين حرية التعبير وضرورة التقنين ارتباطا بالثغرات والفراغات الموجودات في القوانين القديمة، وأن هناك حاجة ماسة لإيجاد تجديد وتأصيل وتحديث وتغيير وإصلاح، إلى أي مدى تكمن مرونة الإعلام في تقبل هذه القوانين المحددة للعمل الإعلامي والتي تعتبر مقننة لأشكال الإعلام المؤثر في المجتمع؟
- كيف يمكن صنع مشهد إعلامي يحقق المقاربة الأخلاقية، التربوية الوجدانية
مع التنبه لضرورة إيجاد أرضية ومساحة مشتركة بين الماضي والمستقبل، وبين المخزون التاريخي والتراثي والنفسي والروحي والقيمي العريق، وبين الطاقات والآفاق المتجددة؟ - ما الركائز أو البنود الأساسية التي يجب أن تؤطر الإعلام العُماني في المستقبل؟
- وأخيراً ما دور الإعلام بشكل عام والتلفزيون بشكل خاص في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها السلطنة؟
* من كتاب سطور الذاكرة، صدر عن دار حوران، دمشق، 2020م.